مثقل الخطى ، مشبع بالتوجس ، محفوف بالأمل ، مشحون بالبوح ، ممتلئ بالخواء ،
بعقل لايكف أستحضار التفاصيل ، ووجدان لايكل رسم الصور ، وحلم يمتطئ صهوة
الفراغ ، بنفس عميق وأصابع متوثبة لممارسة النقر على أزرار أعياها التعب ..
تبدأ الرحلة ، ويفتح الفضاء الأزرق أبوابه ، لتنهال أمامك أسراب المشاعر
المتناقضة بدون قيود ، كلمات تأخذك لعمق التفاؤل ، وأخرى تعيدك لغصة الألم ،
وأبتسامة خجلة ، ودمعة حارقة ، وحرف عابث ، وشعار منتصب ، وصورة فجة ،
وخبر كالمعتاد أصبح خاليا من الأثارة بأشتباك مسلح وحصيلة قتلى وجدران متهاوية .. وتكبير ربما .. ربما لله ..
ووسط ذلك تأبى القهوة التي تتقن فن الحضور إلا أن تقاسمك اللحظات بكل مزاجها الثوري مع خيط دخان يحترق .. أختار وقت ومراسم الوداع بعناية فائقة ..
تتأمل المدينة المتوشحة بأوسمة النصر على كل غزوات الموت ، والمتخمة اليوم بوجع لاتخفيه من ملامح الوجوه الممتلئة بألف ألف سؤال ، ومن حواف الأزقة البائسة ، من قوام البنايات الشاحبة ، من أرصفة الموانئ المغتربة ، ومع كل وليد مازالت صدى ضحكاته في جنباتها تودعه في ترابها للأبد ، وأخر من شواطئها تحت جنح الظلام على لوح مهترئ نحو غياهب المجهول ، وأخر تسرب حلمه الوردي من بين أصابعه الولهى مع أدخنة الحرائق نحو العدم ..
تخبرك المدينة أنها باقية ويتسع قلبها لكل تلك الجراح التي صاحبت حقب وأحداث وزلال وبراكين وظواهر .. وأمم مرت لم يبقى من مشاعرهم وحروبهم وألامهم وترحالهم سوى أثار منتصبة على حياء يراقبها من بعيد بلعاب يسيل لص صغير ضاقت عليه الأرض بما رحبت فكان نتاج فوضى قتلت الحارس وأحرقت الباب ومزقت القيم ورخصت القيمة وجعلت كل شئ له سعر في السوق السوداء من التراب حتى التاريخ ..
السماء لاتبالي بكل ذلك العبث وتظل وفية لمواعيدها مع العشاق والحالمين والطيبين والمتعثرين على طرقات الأمل ، فتهديهم غيمة ماطرة تروي عطش القلوب التي غادرتها السكينة ، وتحيي شغف الأرواح التي فقدت الغواية ، وقمر وضاء يتكئ بكبرياء على أكتاف المساء ، وقوس قزح يقلد عنق السفح عقود من ياسمين ، ونسمة عليلة تغازل الشرفات التي تتدلى منها عناقيد الفرح ، وموسيقى بلابل تعانق المآذن العالية ..
وبين تراب يحتضن بكل الحب كل سؤاتنا وخطايانا وعنادنا وجهلنا ، وسماء لاتكل بكل الوفاء منحنا بشائر الأمل وعلامات الطمأنينة وسبل الحياة ، نظل نحن نمارس بإتقان وأخلاص العبث بالحجر والشجر والعمر وأرث الأولين وحق القادمين ، ونحولها ألسنة دخان وسواتر موت وزخات رصاص ونزوات فجور وأساطير وهم وأحقاد مستعرة ولعنات سافرة ، حتى مع خشوع الصلوات وغضب الطبيعة ونذر النهاية .. وكأن ذات التراب لم يمر عليه ملايين البشر وأنتهوا فيه بكل أحلامهم ودموعهم ونزواتهم .. وكأن شيئا لم يكن ..
بين قاتل ومقتول .. بين جريح ومبتور .. بين لاجئ ومفقود .. نبحث عن طريق نتسلل منه نحو أمنية تهدينا أبتسامة صفراء لانفهمها إلا في نهاية مشوار يودعنا لنلحق بأرتال من مروا قبلنا .. ويدوس ترابنا أخرين نسوا أسمائنا وأشكالنا وكلماتنا ووعودنا .. وحتى حروبنا ..
وتبقى المدينة سامقة تغسلها المطر من كل وجع .. وتبقى الأرصفة تقاوم موجات الريح والملح والفتك وعبث العابرين .. ويبقى التاريخ وفيا للعناوين بعد أن يرمي الهوامش الرخيصة في هوة سحيقة .. ونرحل نحن إلى غير عودة .. بعد أن نودع أحلامنا ومواعيدنا وجنوننا وسيوفنا .. وحتى شعاراتنا ... الفارس الليبي
ووسط ذلك تأبى القهوة التي تتقن فن الحضور إلا أن تقاسمك اللحظات بكل مزاجها الثوري مع خيط دخان يحترق .. أختار وقت ومراسم الوداع بعناية فائقة ..
تتأمل المدينة المتوشحة بأوسمة النصر على كل غزوات الموت ، والمتخمة اليوم بوجع لاتخفيه من ملامح الوجوه الممتلئة بألف ألف سؤال ، ومن حواف الأزقة البائسة ، من قوام البنايات الشاحبة ، من أرصفة الموانئ المغتربة ، ومع كل وليد مازالت صدى ضحكاته في جنباتها تودعه في ترابها للأبد ، وأخر من شواطئها تحت جنح الظلام على لوح مهترئ نحو غياهب المجهول ، وأخر تسرب حلمه الوردي من بين أصابعه الولهى مع أدخنة الحرائق نحو العدم ..
تخبرك المدينة أنها باقية ويتسع قلبها لكل تلك الجراح التي صاحبت حقب وأحداث وزلال وبراكين وظواهر .. وأمم مرت لم يبقى من مشاعرهم وحروبهم وألامهم وترحالهم سوى أثار منتصبة على حياء يراقبها من بعيد بلعاب يسيل لص صغير ضاقت عليه الأرض بما رحبت فكان نتاج فوضى قتلت الحارس وأحرقت الباب ومزقت القيم ورخصت القيمة وجعلت كل شئ له سعر في السوق السوداء من التراب حتى التاريخ ..
السماء لاتبالي بكل ذلك العبث وتظل وفية لمواعيدها مع العشاق والحالمين والطيبين والمتعثرين على طرقات الأمل ، فتهديهم غيمة ماطرة تروي عطش القلوب التي غادرتها السكينة ، وتحيي شغف الأرواح التي فقدت الغواية ، وقمر وضاء يتكئ بكبرياء على أكتاف المساء ، وقوس قزح يقلد عنق السفح عقود من ياسمين ، ونسمة عليلة تغازل الشرفات التي تتدلى منها عناقيد الفرح ، وموسيقى بلابل تعانق المآذن العالية ..
وبين تراب يحتضن بكل الحب كل سؤاتنا وخطايانا وعنادنا وجهلنا ، وسماء لاتكل بكل الوفاء منحنا بشائر الأمل وعلامات الطمأنينة وسبل الحياة ، نظل نحن نمارس بإتقان وأخلاص العبث بالحجر والشجر والعمر وأرث الأولين وحق القادمين ، ونحولها ألسنة دخان وسواتر موت وزخات رصاص ونزوات فجور وأساطير وهم وأحقاد مستعرة ولعنات سافرة ، حتى مع خشوع الصلوات وغضب الطبيعة ونذر النهاية .. وكأن ذات التراب لم يمر عليه ملايين البشر وأنتهوا فيه بكل أحلامهم ودموعهم ونزواتهم .. وكأن شيئا لم يكن ..
بين قاتل ومقتول .. بين جريح ومبتور .. بين لاجئ ومفقود .. نبحث عن طريق نتسلل منه نحو أمنية تهدينا أبتسامة صفراء لانفهمها إلا في نهاية مشوار يودعنا لنلحق بأرتال من مروا قبلنا .. ويدوس ترابنا أخرين نسوا أسمائنا وأشكالنا وكلماتنا ووعودنا .. وحتى حروبنا ..
وتبقى المدينة سامقة تغسلها المطر من كل وجع .. وتبقى الأرصفة تقاوم موجات الريح والملح والفتك وعبث العابرين .. ويبقى التاريخ وفيا للعناوين بعد أن يرمي الهوامش الرخيصة في هوة سحيقة .. ونرحل نحن إلى غير عودة .. بعد أن نودع أحلامنا ومواعيدنا وجنوننا وسيوفنا .. وحتى شعاراتنا ... الفارس الليبي