إلى الأمام
تقوم السياسة الغربية على إنهاء الآخر، وتعتمد في بقائها على قانون الغاب، وتحاول التغطية بحملات الأكاذيب والادعاءات، فعبر تاريخها المليء بالوحشية تسمي الأشياء بعكس حقيقتها فينطبق عليهم القول "كأن من يقول للأعمى بصيرا".
الحديث الكاذب عن حقوق الإنسان والإنسانية والرحمة والعطف كلام أجوف وبدون ما صدق في الواقع، الوحشية هي سمة الحضارة الغربية من العصر الإغريقي والروماني إلى اليوم، وينبئنا التاريخ كيف كان القياصرة يستمتعون بقتل ضحاياهم في ساحات عامة بإطلاق مجموعة من حيوانات متوحشة تمزق أجسادهم أمام الناظرين، ولو تعمقنا قليلا في التاريخ الحديث لرأينا حجم الوحشية التي ارتكبها الغرب ضد شعوب الدول التي استعمرها الغرب لعرفنا دون مجال للشك حجم الدعاية المصاحبة لأكذوبة إنسانية الحضارة الغربية، فعندما انتصر المسيحيون على المسلمين في الأندلس قاموا بأبشع المذابح في التاريخ في ما عرف بمحاكم التفتيش، وعندما استعمروا العالم الجديد أبادوا السكان الأصليين بوحشية ليس لها مثيل، لقد صار الهنود الحمر والسكان الأصليون في أستراليا نموذجا للإبادة الجماعية للشعوب.
الحرب العالمية الأولى والثانية شهدت فظائع بين البشر لم تعرفها مملكة الحيوانات المتوحشة، لكن حقيقة الغرب ووحشيته كانت أكثر وضوحًا في ممارساته ضد شعوب العالم الثالث المستعمرة!
الحقيقة الأخرى التي تغطيها الدعاية الزائفة، أن الغرب يبذل جهودا ويصرف أموالا في أغلبها على البحث في وسائل التدمير والقتل الجماعي وليس لخدمة تطور الحياة البشرية كما يدعون! ولعل اختراع البارود ومن بعده الغازات السامة والتعامل مع الجراثيم الممرضة وليس أخيرا تفجير الذرة وصنع القنابل النووية والهيدروجينية النيوترونية وغيرها دليل دامغ على الأهمية التي يعطيها الغرب في أبحاثه وفي اختراعاته للجوانب التدمرية للحياة البشرية، وما قد ينتج من استخدامات للأغراض السلمية ما هو إلا نذر يسير، فاستخدام العلوم النووية في الطب أو الهندسة المدنية أمر بسيط جدا مقارنة باستخداماتها للأغراض الحربية، فعندما اشتد وطيس الحرب العالمية الثانية لم يتردد الأمريكيون في استخدام القنبلة النووية في هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين وقتلوا ملايين الناس، كانوا فرحين جدا بذلك، وأطلقوا على القنبلة المدمرة اسم "الطفل الصغير" وهو استخفاف بالإنسانية في أبشع صوره.
وعندما هاجمت أمريكا فيتنام الشمالية وحاولت القضاء على ثوار الفيتكونج لم تتردد في حرق الغابة الفيتنامية بحجم هائل من الغازات السامة أتت على الغابة بما فيها من بشر وحيوانات.
ما نراه اليوم في غزة هو جزء بسيط من صورة الوحشية الغربية ضد الشعوب، موت آلاف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ على الهواء مباشرة الذين تحسبهم الإذاعات كأرقام وليس كبشر لهم آمال وطموحات وأهداف في الحياة، إلى اليوم أكثر من 50.000 ضحية، منهم أكثر من 12000 شهيد، ثلاثة أرباعهم من الأطفال والنساء، والمراسلون يحصون الأعداد، يهاجمون بالطيران والصواريخ والدبابات مستشفيات علنا في وضح النهار وهي مكتظة بالمرضى والنازحين اللاجئين إليها من شدة القصف الصهيوني، ولا يختشي الغرب بأن يقول إن ذلك حق مشروع للكيان المحتل في الدفاع عن النفس، لأن المقاومة الفلسطينية أسرت قرابة 200 صهيوني، أليست قسمة ضيزى؟!! فعندما يتعلق الأمر بالعدو ترتفع وشائج الإنسانية لدى الغرب، وعندما يتعلق بنا وبالشعوب الأخرى، فينظرون لنا كحيوانات! تماما كما عبر عنها وزير الدفاع الصهيوني علنا ودون أن يندى له جبين، "هؤلاء حيوانات متوحشة في شكل بشر"!.
في عام 2011 ظهرت أكذوبة فبركها الغرب، بأن الجيش الليبي يستخدم المرتزقة ويقوم بقتل المدنيين الليبيين، وفورا شحذوا طائراتهم وصواريخهم وبوارجهم، وهاجموا ليبيا ودمروا جيشها ومؤسساتها بكل قوة ووحشية، بذريعة حماية مزعومة المدنيين المهددين نظريا.
السؤال هل هناك من لا يزال يتوهم أنه في الغرب شيء اسمه الإنسانية؟
وهل لا يزال يوجد من يعتقد أن الشعوب يمكن أن تبقى فوق الأرض وتحت الشمس في ظل حضارة قائمة على أكاذيب ودعايات، علينا العودة إلى البداية، فلا فرق بين عصابات نتنياهو الإجرامية وفرسان القديس يوحنا، فكلاهما واحد، يقتلون الناس بدماء باردة!!
الكفاح في المستقبل في تقديري ينبغي أن ينصب على مواجهة الحضارة الغربية بكل ما فيها حتى بإيجابياتها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لاستمرار الحياة البشرية على كوكب الأرض، والآن وليس غدا، فقد تندلع حرب شاملة أخرى تستخدم فيها أسلحة فتاكة في نوعها وحجمها لن يمكن بعدها أن تكون الأرض مكانا مناسبا للحياة!