في الحقيقة ان السؤال كان يجب ان يكون كيف عاش حياته عبدالسلام الزادمة وليس كيف مات لان المواقف والاحداث التي عاشها الزادمة لا تتناسب مع سبب موتـه ، ولكن هذا قضاء الله وقدره وكثيراً من الشجعان الابطال خاضوا حروب ومعارك لا حصر لها ولم يكتب الله لهم الموت فيها .
عبدالسلام الزادمة شخصية فريدة من نوعها لا يمكن ان تتكرر فهو شجاع ومغامر ورجل دولة من الطراز الاول وشيخ قبيلة كان لديه رأي من الصعب تجاوزه لحنكته وذكائـه .
كان الرجل وفيء للثورة وقائدها وكان يعتبر التعليمات والتوجيهات الصادرة من القائد يجب ان تطبق في الواقع مهما كانت الصعاب .
وعموما نحن هنا لسنا في باب سرد المواقف البطولية والشجاعة في حياة الزادمة لان ذلك بحاجة الي كتاب من اجزاء ولا تكفيه سطور المقالات مهما اختزلت من مواقف كبيرة في كلمات قليلة .
كان عبدالسلام الزادمة يقيم في طرابلس واهله يقيمون في مدينة هراوة التي تبعد سبعين كيلومتر عن مدينة سرت .
وهو يذهب اليها باستمرار للأطمئنان على والدته ذات الشخصية القوية الحاجة فاطمة بن شريعة وفي ذلك اليوم الاخير وصل عبدالسلام الي هراوة وسأل عن فرس كان يعرف انها غير مروضة وطلب من ابناء عمومته احضارها لكي يقوم بترويضها .
ركب الزادمة فرسه وانطلق بها وعند العودة غفل عنها فصدمته براسها ليسقط من على ظهرها فاقداً الوعي في حضور والدته وابناء عمومتـه .
قام ابن عمه سالم معتوق الزادمة الرئيس السابق لنادي الاهلي طرابلس بنقله فوراً الي المستشفي في سرت ومن هناك نقل الي المطار لتنقله طائرة خاصة الي طرابلس ثم الي مستشفي اسبيعة .
ظل الزادمة في غيبوبة وصار المستشفي يعج بكل رجالات الدولة وبسرعة فائقة احضرت الدولة طاقم طبي متكامل من المانيا يضم امهر الدكاترة .
كشف عنه الاطباء وشخصوا اصابته في النخاع الشوكي وسأل الطبيب ثلاثة أسئلة هل دخل الغيبوبة بمجرد سقوطه من على ظهر الفرس ؟ هل كان يبدئ اي استجابة للنداء عليه ؟ هل طال الشعر في وجهه بعد الحادثة ؟ كانت كل الاجابات كلها بالنفي .
كان رد الدكتور بأن الزادمة قد دخل في غيبوبة وهي مرحلة خطيرة جداً ونسبة عودته منها ضيئلة للغاية وصدم الخبر الجميع الذين كانوا في انتظار اخبار سارة عن حالة الرجل .
كان معمر القذافي بالرغم من اصابته بكسر في قدمه واجراء عملية جراحية يتابع حالة الزادمة اول بأول ، كما ان المعتصم بالله كان نادر ما يغادر المستشفي الذي ينام فيه الزادمة وهو يتناقش مع الاطباء في حالته .
في مساء يوم 1998/7/13 اعلن الاطباء بأن عبدالسلام الزادمة قد فارق الحياة .
محمد المجذوب هو من كلف بأبلاغ القائد بالخبر كان يوم حزين جداً فالرجل ظل لفترة طويلة يقيم داخل القيادة ويترأس سرية الحراسة .
للزادمة ذكريات مع رفاقه جعلت من يوم وفاته ماسأة حقيقية .
استعدت الدولة لبدء مراسم جنازة عسكرية تليق بتاريخ الرجل لم يغيب عنها اعضاء القيادة التاريخية وكل الضباط الاحرار والامناء وقادة الاجهزة الامنية .
دفـن الزادمة في مقبرة الشهداء بالهاني وظلت دورية تحرس قبره لمدة ستة اشهر فالرجل حارب الزناذقة في بنغازي ودرنة ولديه الكثير من الاعداء الذين يمكن ان يمارسون هويتهم في نبش القبور .
غاب الزادمـة وترك مكانه فارغاً وقال عنه العقيد بعد وفاتـه هذا عمود في الخيمة وسقط واشار الي رجله المكسورة وقال هذا الكسر سوف يتجبر بمرور الوقت اما وفاة الزادمة فهو الكسر الذي لن يتجبر مهما مر عليه من الزمن .
وفعلا كان غياب الزادمة مؤثراً جدا في الدولة ولكن وجود رجال كبار من امثاله جعل من الدولة تستمر في هيبتها وقوتها بالداخل والخارج .
في الاوانة الاخيرة بعد نكبة 17 فبراير حاولت عائلة سيف النصر وعلى الاخص غيث عبدالمجيد سيف النصر الذي كان يطهو الشاهي للفريق الخلويلدي الحميدي ان يردد شائعات بأن الزادمة مات مقتولاً وان النظام هو من قام بتصفيته .
هذه عادة عائلة سيف النصر في شق صفوف قبيلة اولاد سليمان بهدف السيطرة عليها كما فعل محمد وعمر سيف النصر في السابق .
عائلة تمتهن النذالة وتعشق الخيانة حتي الثمالة وفي سبيل تحقيق مصالحها مستعدة ان تتحالف مع كل شياطين في الدنيا .
الجماعة الليبية المقاتلة هي الاخري قامت بترويج هذه الشائعات وطلبت من عائلة الزادمة ان تعلن ذلك للملأ مقابل ان تعيد لهم ارزاقهم التي سيطرت عليها المليشيات في طرابلس .
لكن عبدالسلام الزادمة لم ينجب ابناء يختلفون عنه فكلهم كانوا شجعان واحتفظوا بتاريخ والدهم الكبير بالرغم من المطاردات والتهجير الذي تعرضوا له على يد المليشيات .
هذه قصـة فارس غدرت به فرسـه في لحظة غفلة فالرجال العظام غالباً ما تنتهي حياتهم بالخيانات ، لعـن الله فرس الزادمة والبراني أشكال الي يوم
القيامٰة .
