وهم من بعد غلبهم سيغلبون
تصور ( وطن ) يتعرض لحملة كونية مسلحة بثلاثين ألف غارة جوية .. ويظل عصيا على الخضوع ..
تصور ( شعب ) يتعرض لحملة إعلامية من مئات القنوات والصحف بميزانية تعد بالمليارات .. ويظل ثابتا على الإنتماء والفكر والراية والنشيد ..
تصور ( مشروع ) يتعرض للتشويه والتكفير من قبل مئات الأئمة والفقهاء والكتاب .. ويظل تنتصر له الأحداث كل مطلع شمس ..
هل سألت نفسك ؟ هل فهمت الرسالة ؟ وكيف حصل ذلك في وقت عصيب وظرف حساس وطريق شاق ومرهق ؟
البعض في عام الردة ظن أن الأمر أنتهى ، وحسم الأمر ، وأنتصرت القوة ، وسقط الحق ، وتلاشى المشروع ، وطمست الحقيقة ..
أنت تحكم وتتأثر بالمعيار المادي من ( أساطيل نووية ، أحلاف دولية ، ألاف الجنود ، مئات القنوات ، منظمات دولية ، قرارات أممية ، أموال بالمليارات ) .. والله ينسف كل ذلك ، ويعطيك طريقة مختلفة للتقييم والحساب ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ) .. ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ) .. وينسف نظرية الكثرة والعتاد ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ) .. وهي معادلة لاتخضع للحساب المادي العقيم بل بحساب الإيمان والتوكل والثقة في الله والحق والقضية فيتحول المستحيل إلى ممكنا ، والحلم إلى واقعا ، لترى الإعجاز الألهي والقوة الداخلية التي تتفجر إرادة وعزيمة وأنتصار يلهب المشاعر ويبهر الأبصار ..
الله يخاطبك مباشرة ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) ويطمئنك ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ويبشرك ( وبشر الصابرين ) ..
كان الزمن بالسنوات .. تراه شر والله لحكمة كشف الحقيقة وأقام الحجة
كان الفقد موجع .. تراه سوء والله لحكمة أختار من عباده الشهداء لجنته
كان السقوط كبير .. تره نهاية والله لحكمة فرز الصفوف وكشف الأقنعة
كان الإبتلاء قاسي .. تراه عقاب والله لحكمة صقل الشخصية وأعدها لحمل الأمانة
يقول الله على سيدنا موسى ( ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكما وعلما ) .. وعلى سيدنا يوسف ( ولما بلغ أشده أتيناه حكما وعلما ) .. أي أن لكل أمر وقت للإعداد ووقت للإنجاز .. فحمل الأمانة يحتاج تجربة بكل فصولها المريرة والشاقة التي تعد أهل الحق لحملها ..
اليوم .. تشير عقارب الساعة ، وشواهد الواقع ، ومعطيات الأحداث ، ومعلومات المسرح ، بأننا نعيش أواخر وقت الأمتحان ، وعلى مشارف موسم الحصاد ، وأمام بشرى الصابرين .. ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون )
وبعدها ستفهم ما لم تحط به خبرا .. وتأويل ما لم تستطع عليه صبرا .. ( أما السفينة ، أما الغلام ، أما الجدار ) .. وتأويل السبع بقرات والسبع العجاف والسنبلات الخضر وأخر يابسات ، وسر الصحراء التي ما أخلفت عهدا منذ زمن الأنبياء .. وتفسير الفايتات عكس الجايات .. وستقف مندهشا وأنت تراجع كل التفاصيل وتفهم حكمة الأمتحان وترتيب القدر وإنتصار الحق ، وتدرك أن لاشئ كان عبثا ، وستصدح الله أكبر ... الفارس الليبي