
تستطيع ان تقـول ان العقيد وجـد في بنغاري المدينـة القادرة على احتضان الثورة والدفاع عنها حتي ولو قدر الله ولم تنجح الثورة في الوصول الي المدن الآخري .
المدينة وجـد فيها رفاق جدد لديهم العزيمة والشجاعـة لصنع التغير فأختار ان يكـون البيان الاول للثورة من بنغازي وهـذا يعطيك دليل قوي على مدي ثقة الرجل في المدينة وأهلها .
وحتي بعد الثورة بسنوات ظلت العلاقـة بين المدينة والرجل قائمة وساعد على ذلك وجـود اعداد كبيرة من الرجال والنساء الذين امنوا بفكر الثورة واهدافهـا .
لكن ما حدث بعد ذلك ولماذا أصيبت العلاقة بالفتور بين مدينة البيان وقائد الثورة ؟
الحقيقة ان هناك اسباب كثيرة جعلت من العقيد يبتعـد رويداً رويداً عن المدينـة التي احبها وظل على حبها له طيلة حياته .
من ضمن هذه الاسباب هي التقارير التي كانت تصل اليه عن المدينـة وكونها قد تحولت حضانة للجماعات الاسلامية المتشددة وايضا ما كان يصل اليه من معلومات عن كشف خلايا ومؤمرات بداخلها يقودها خـونة لإستعادة حكم العائلة السنوسية .
هذه التقارير لم تكـن تتضمن معلومات مغلوطة للآمانة ولكنها في نفس الوقت لم تتضمن الحقيقة الكاملة .
فالمحسوبين عن الثورة في بنغازي اغلبهم وليس جميعهم هم من أساؤا لها وشـوهوا تلك الصورة الجميلة التي ارتسمت لها في مخيلة الناس .
الفساد المالي جعـل من المشاريع السكنية ومشاريع البنية التحتية تتأخر وانتشرت البطالة بين فئات الشباب ولم يعد امامهم الا ان يتجهوا الي محاربة الدولة مع الزناذقة او يتجهوا الي تعاطي وبيع المخدرات في الاحياء الفقيرة البائسة .
ومع ان النظام استطاع ان يعالج المشاكل الأمنية في المدينة بسـرعة الان ان اسباب هذه المشاكل ظلت قائمـة ولم تستطيع اللجان الشعبية العامة المتعاقبة ايجاد حلول سريعة لها .
وزادت الامور سوء بعد حادثة سجـن ابوسليم فاغلب الارهابيين الذين قتلوا في تمرد السجن كانوا من بنغازي ولم يواكب الاعلام في ذلك الوقت تلك الواقعة حتي يفهم الناس كما فهموا الان ان الذين قتلوا في سجن ابوسليم هم أرهابيين لو خرجوا من السجن فسوف ينتشر القتل والخراب والدمار في كل مكان .
اعتقدت الناس في بنغازي بعد واقعة سجن ابوسليم ان النظام قد قطع اخر خيط يربطه بالمدينة وهو اعتقاد غير صحيح ولكـن يعذرون عليه لان الاعلام كان بأمكانه ان يوضح لهم الحقيقة لكي يعرفوا ان ما حدث كان لمصلحتهم وليس لمصلحة النظام .
بعد ذلك ظل العقيد يحاول مع كل المسئولين في مدينة بنغازي ويطلب منهم ضرورة الاسراع في حل كل مشاكلها .
القائد كان يعرف ان هذه المهمة صارت صعبة بعد فقدان بكار والزادمـة ولكن كانت لديه ثقة في ان بقية الرجال في المدينة سوف يستطيعون استعادتها لحضن الثورة من جديد .
بعد ذلك ظهرت قضية الإيدز وعقدت من الامور اكثر وصار واضحاً ان هناك من يصنع المؤامرت لكي يبعد العقيد عن المدينة التي احبها .
ومع ان النظام عالج ملف قضية سجن ابوسليم وقضية الإيدز وضحايا السفارة الايطالية بالتعويضات المادية الا ان هذا لم يكن يكفي للقضاء عن الاسباب التي جعلت المدينة عرضة للتأمر عليها في كل مرة بخديعة جديدة .
في السنوات الآخيرة صار بعض المسئولين ينصح العقيد بعدم السفر الي بنغازي لان أمكانية تآمين حياتـه قد تكون صعبة في مدينة بعض احيائها تعج بالزناذقة .
العقيـد رفض هذه النصائح جملة وتفصيلا بل حذر من اعادة تكرارها واتخـذ قراره بزيارة مدينة بنغازي وذهب الي كل الاماكن فيها وهو يستعيد ذكرياته الجميلة معها وظهر في الاعلام وهو يتحدث عن احداث ليلة الثورة ودخوله الي الاذاعة لتلاوة بيان الثورة وكأنها قامت منذ شهور وليس منذ اربع عقود.
كان العقيد يبعث برسالة مفادها انه لم ينس بنغازي وان دورها في الثورة اكبر من ان محاولات الخونة لإيقاع الشقاق والفرقة بين الثورة ومدينة البيان .
في تلك الزيارة اختار العقيد ان يرافقه في جولاته في احياء بنغازي رجال المدينة الذين لم تتلوث ايديهم وذممهم بالمال الحرام وهذه رسالة اخري لأهل المدينة بإن النظام لا يحمي ولايدافع عن المفسدين ، اعطي القائد تعليماته بسرعة حل كل المشاكل التي تعاني منها المدينة وتم تخصيص مبلغ 22 مليار لإستكمال مشاريعها وتوفير فرص عمل للشباب فيها .
جاءت بعد ذلك مؤامرة 17 فبراير ليجد العقيد ان المدينة التي احبها تنام في حضن رجل يهودي فأصيب بالاحباط وخيبة الامل الكبيرة ، حاول ان يخطب ودها من جديد بالمشاعر بالاحاسيس بذكريات الماضي الجميل لكن المدينة كانت تنام في غيبوبة على فراش اللذة الحرام .
خرج منها الرجال والحرائر وحملت المدينة من وراء غريزتها سفاحاً فظهر فيها اولاد الحرام الذي عاثوا فيها دماراً وخراباً .
بعد خمس سنوات عرفت المدينة انها اخطأت في حق من كان يحبها ويحميها وقررت ان تتوب عن ذنوبها وان تعيد ابنائها الشرفاء لحضنها ولم يتأخر عنها أحد من رجالها فضحوا بأرواحهم في سبيل ان تعود امهم للطهارة وحياتهم للأمن والامان .
بنغازي اليوم تـريد ان تعود وان يسامحها العقيد على الخيانـة والنزوات وهي تعـرف اين ستجده فالعلاقة بينهما روحـية ونحـن سنعرف من الاحداث في المستقبل ان كان العقيد قد غفر لها خطاياها اواستمع الي مبرراتها واعطاها ظهره وانصـرف .
نتمني ان يسامحها العقيد وان تعـود لإجل ابنائها الشرفاء الذين يموتون كل يوم من اجل ان تعيش مدينتهم وتعـود من جديد مدينـة البيان ومهد استعادة الامجاد .