(ــــــ 1/ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا / ـــ 2 / والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فــ ساء قرينا )
....... .... آيات 37/ 38 سورة النساء
يختلف الشيئان اختلافا كاملا في كل مظاهرهما التي نراها رأي العين ثم لاتكون النتيجة فيهما إلا واحدة كأنهما شيء واحد رغم كل مظاهر الاختلاف الواضحة المؤكدة فهو اختلاف "شكل " وليس اختلاف "جوهر"
وأمامنا في نص الآيتين الكريمتين "نموذجان" يختلف كل منهما عن الآخر اختلافا أصيلا واضحا ظاهرا في كل شيء ومع ذلك فهما ينتهيان إلى غغاية واحدة
ـــــ 1ــــ فــ النموذج الأول بخيل أشد البخل يكتنز المال اكتنازا ويلمه لمّا
وهو يبخل ويسرف في البخل كأن ماله جزء من دمه ثم هو لايكتفي بهذا البخل وهذا الاكتناز حتى يأمر الناس بالبخل ويحثهم ويحضهم ويحرضهم عليه تحريضا فهو لا"يرحم ولايترك غيره يرحم " وهو لاينفق ولايسمح لغيره ــ لو استطاع ـــ أن ينفق فهو يجمع المال جمعا من كل مكان وبكل وسيلة لــ يكتنزه ويخبئه
بل هو لايكتفي بالبخل يفرضه على نفسه ويحرض غيره عليه وإنما هو يتعدى ذلك فهو يكتم ويجحد وينكر " ما آتاهم الله من فضله " كأنّ الله تعالى لم يوسّع عليه في الرزق وكأن هذا الرزق إنما هو من صنعته هووفضله هو وشطارته هو وعلمه هو ولادخل لمولاه تعالى فيه فــ تأملوا كيف ينحدر المنحدر في الآفة والمعصية وكيف يتسفل الإنسان بنفسه ( أسفل سافلين ) حتى يكون شيطانا يجادل الله في نعمة الله ويواجه مولاه بالفجور والمعصية يرى ذلك "منطقا " و"علما " و"مهارة " و"ذكاء " وهو يجد في ذلك كله لذة لاتعادلها لذة فــ البخل عند هؤلاء متعة و"جمع المال وكنزه" عندهم لذة وزهوة وراحة
( الذي جمع مالا وعدده ) فـــ لماذا جمعه ولماذا عدده ؟
جمعه وعدّده لأنه " يحسب أن ماله أخلده " ولأنه يحسب ذلك فهو
ــــ يبخل
ـــ يأمر الناس بالبخل
ــــ ويكتم ما آتاه الله من فضله
فـــ هذا "نموذج " تسفّل بنفسه ثم عراها تعرية كاملة فاضحة فادحة من "ستر الله " فاستتر بــ مهارته وشطارته وعلمه يرى نفسه خالق نفسه ورازق نفسه
ويرى الدنيا ـــ كل الدنيا ـــ خالصة له من دون الناس ويرى النعمة ــ كل النعمة ـــ له وحده فــ المال ماله هو وليس مال الله والنعمة نعمته وليست نعمة مولاه
ــــ 2 ـــ أما النموذج الثاني فــ هو عكسه تماما في كل تصرفاته
إنه ينفق بل هو ينفق في " بذخ " ويقيم الولائم و"العزومات " بل هو يبالغ في ذلك فيجعل الولائم "حفلات " معلنة ظاهرة وربما حتى "منقولة " على " الهواء مباشرة " بل وربما جعلها مصحوبة بالإعلانات والدعايات لــ" مؤسسته " الخيرية أو "جمعيته الخيرية " التي ترعى الفقراء وتهتم بالمساكين و" النازحين " و"المهجرين " فتساعدهم بالمواد " الغذائية " و" الإمدادات الطبية " وربما حتى بــ " المساعدات المالية النقدية " وهو يسرف في هذا العطاء إسرافا ظاهرا تؤكده الإعلانات وتوضحه الصور المصاحبة
وهو لايتأخر عن " فعل الخير " و" الوقوف " مع المحتاج
ولكن .... كيف ينفق ؟ ولماذا هو ينفق ؟
يقول مولانا تعالى " والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس "
إي وربي .. هذا الإنفاق وهذه الإعلانات والحفلات والولائم و"موائد الرحمن " المعلنة المنقولة على الهواء والمصحوبة بالدعايات الباذخة إنما هي " رئاء الناس "
وتعود بنا الآية الكريمة إلى " كفة الميزان " مرة أخرى
إلى " الإيمان .... الإيمان الذي هو روح العمل
وهذا الإيمان هو " مقياس العمل " وهو ميزانه الذي يحدد صلاحه من طلاحه
هذا الإيمان الذي تحدده آية ( إياك نعبد ) في فاتحة الكتاب كما عرفنا
إياك نعبد / كل مانفعله هو لك خالصا لوجهك الكريم
إياك نعبد/ لاشريك لك في عملنا أو نوايانا فــ نحن بك نعمل وعليك نتوكل
ولك نخلص العمل فلا نفسده بالمظاهر ولانشوهه بالإعلان ولا نغتاله بالرياء
إياك نعبد / لانعبد شهرة ولازهوة ولا مظهرا يذهب بروح العمل
إياك نعبد / لأننا نؤمن بك ونؤمن بــ اليوم الآخر
واليوم الآخر غيب من غيبك الذي استأثرت أنت وحدك بعلمه
فــ نحن نعمل عملنا لــ هذا اليوم المحجوب فــ علمنا له محجوب ومستور بسترك
إننا نستر عملنا اليوم لكي تسترنا انت غدا
ونحن نستر عبادك الفقراء والمساكين اليوم لكي تسترنا أنت غدا
فــ " من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الاخرة يوم لاستر إلا ستره "
وتعود بنا الآية الكريمة إلى اليوم الآخر لتقول لنا
( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولاباليوم الآخر )
ترى لماذا هم يفعلون ذلك طالما هم " لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" ؟
إنهم يفعلون ذلك لأن قرينهم الشيطان يأمرهم بهذا حتى يفسد عليهم عملهم
فـ يكون عملهم رياء ليس لله تعالى فيه نصيب وليس لهم فيه نصيب
إنه عمل خالص للشيطان ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا )
هما نموذجان مختلفان في المظهر ولكنهما يتفقان في الغاية
1ــــ نموذج يبخل فلا ينفق ما اتاه الله تعالى
بل هو يبخل ويامر غيره بالبخل ويكتم نعمة الله عليه بل ينكرها
وذلك جزاؤه ( أعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) وهذا (العذاب المهين ) هو انتقام إلهي لكرامة الفقراء والمساكين والمحتاجين التي أهدرها هذا البخيل باستإثاره عنهم بنعمة
مولاهم دونهم وكتمانه لها وإفساده لهذه النعمة الربانية
2 ـــ ونموذج ينفق ولكن لـــ غير وجه الله وليس في أنفاقه ميزان ( إياك نعبد )
فــ ذهبت أعماله لــ من يعبده من غير الله