الجزء الرابع ..
لقدإستغرقت ترجمة هذه الوثائق عدة أيامٍ ، كنا خلالها نراعي تمديد مدة الحجز من السيد رئيس النيابة العامة الأستاذ عبد القادر رضوان .. وبإطلاعي على هذه الوثائق والتي تمت ترجمتها إلى العربية ، بدأت مناقشتي مع المتهم .. حيث تبين أنه يقوم بنشاطٍ مريب ، منه على سبيل المثال لا الحصر ؛ إثارته للفتن في جلسات الخمر التي كان يعدها للجنود والشباب ، بغية الوصول إلى تحديد مخازن الأسلحة والمعسكرات التي تتواجد بها تلك المخازن . ولكي يستخلص معلومات من أفواه أولئك السذج الذين كانواواقعين تحت تأثير السكر والمخدرات ، كان يردد أمامهم ؛ إن بعض المناطق في الشرق لاتحضى بثقة القيادة ، وأن الثقة في المنطقتين الغربية والجنوبية .. وبهذه الطريقة التي يستنتج منها معلومات من الشباب الذين ينتمون للمنطقة الشرقية والذين يصرون على أن المنطقة الشرقية تحضى بثقة الدولة ، ويعددون أمامه المواقع العسكرية الهامة ، والتي كان يُخزّن بها أسلحة إستراتيجية .. كما أنه كان يثير أمامهم الشائعات والدعايات المغرضة ، التي تتعلق بالأوضاع الإقتصادية والمواقع التنموية للمشاريع ، وتفاصيل كثيرة أخرى الهدف منها إثارة النعرات الجهوية والقبلية ..
قاطعته بالقول : كوبسل .. من خلال دراستي لاهداف المنظمة الماسونية العالمية ، أن الأسلحة في عمليات التجسس ليست ذات فائدة ، ذلك لإن الأسلحة التي بحوزت الدول لاسيما الدول النامية ، ليست سراً على الدول المصنعة و أجهزة الإستخبارات العالمية أيضاً .. وقد عرضت عليه مجموعة من الصور التي إلتقطها لإرتال كبيرة من الدبابات ، في العيد العاشر للثورة إثناء عرضها في بنغازي .. وكان هذا العرض ملفت للنظر ، خصوصا سلاح الدبابات . أجابني بقوله ؛ " بإن تركيزنا ليس على نوعية السلاح ، ولكن هدفنا هو تدمير العناصر البشرية التي تستخدم هذا السلاح ، وإفسادهم بالمؤثرات العقلية وهي أكثر فاعلية حيث أنها لا تدار هذه الأسلحة لاسيما المعقد منها، إلا من خلال عقول بشرية متدربة ومؤهلة .
هنا أقنعني هذا الجاسوس بقضية التدريب والتأهيل .. فلولا تأهيلي أنا شخصياً في الشقيقة "مصر " ، حيث إستقبلت مباحث أمن الدولة بجمهورية مصر العربية مجموعات من الضباط ، في دورات مختصة بالأمن القومي والوطني ، كنت أنا من بينهم سنة 1971 .. وأزعم بأنني كنت متميزا في تلك الدورات ، حتى أن اللواء المرحوم " مصطفى عبد القادر " أحد أساتذتنا ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة سابقاً، عرض عليّ إعداد بحثٍ عن منظمة الماسونية العالمية ، والتي يطلق عليها "حكومة العالم الخفي".. وأذكر بإنه قالي لي " يا إبني .. إن بلادكم بكر ومجتمعكم نقي ، وستكونون هدفاً لهذه المؤامرات " .. وبالفعل زودني ببعض مصادر المعلومات عن هذه المنظمة التي تدار بعقلية يهودية صهوينية ، أطلقوا على أنفسهم " البنّائون " .. وبالفعل قمت بإعداد بحثاً تحت إشرافه ، وقد إعتمده بعد مراجعته .. وأهداني كتاباً للدكتورة عائشة عبد الرحمن " بنت الشاطئ" ، له صله قويةبالموضوع .
لقد كانت مكتبتي الأمنية معروفة لدى الزملاء ، وكانت تشتمل على مراجع أمنية مهمة .. وللأسف الشديد ، فقد تعرضت تلك المكتبة للحرق أثناء مداهمة بيتي بداية أحداث "17 فبراير " .. ولولا هذا التخصص لما إهتديت لتصنيف هذه الوقائع الإجرامية ، وكانت ستصنف يومها جنايات سرقة عادية ، وجُنح تعاطي خمور.
ولا أدعي شرف إكتشاف تلك الجريمة ، بل هو جهد لرجال البحث الجنائي في بنغازي .. وأحد المواطنين الشرفاء الذي قاد بلاغه للوصول إلى تلك العصابة .. ولكني أشرف بالإنتباه إلى هذا السلوك التآمري ، وقد وصفته بإنه نشاط ماسوني صهيوني أمام الأستاذ مفتاح بوكر أمين اللجنة الشعبية للعدل ببنغازي ، أطال الله بعمره .. خصوصا وأن تلك الجرائم كانت محل شك لديه ، حيث قال لي " أشعر بأن هناك الغاز في هذه القضية " .. ولقد تحملت عبء تلك الدراسة المعقدة حول المنظمات الماسونية ، رغم أن تخصصي الأصيل هو مكافحة الشيوعية والنشاط الديني المتطرف .
لقد كان في خاتمة اقوال ذلك الجاسوس ، " أن هؤلاءالشباب لا يعلمون بحقيقة أهدافي من وراء هذه الجرائم ، وكان ديدنهم فقط الحصول على المال والخمور والمخدرات " .
وفي جلسة تحقيق لاحقة سنرى كيف يكشف لنا هذا الجاسوس بؤرة أخرى في " سوق الجمعة " بطرابلس على رأسها أحد الألمان الأسرى .
لقائي يتجدد بكم من خلال أحداث جديدة بالجزء الخامس ..
دمتم بخير ..