حلّ ببلادنا الجاسوس الصهيوني الماسوني "مانفرد جرجن كوبسل " عام ١٩٦٣م واستخلص من التحقيق معه انه توجه الي الجامعة الإسلامية في مدينة البيضاء ، حيث أشهر إسلامه واطلق على نفسه إسم " أحمد عبد الله كوبسل " . عُين "كوبسل " محفظ للقرأن الكريم بعد عدة سنوات ، قضاها في تعلّم اللغة العربية وحفظ آيات من القرأن ، واستقر به المقام في قرية " زاوية الطيلمون" التي تقع بين سلوق والمقرون ، وهي قرية صغيرة يسكنها عدد من المواطنين الذين يمتهنون حرفتي الرعي والزراعة الموسمية ، وكان يقيم في مسجد القرية .
بعدها انتقل إلى قرية "بنينا " وعمل في كشك صغير لبيع السجائر والمشروبات والفطائر .. بالتحقيق معه فيما بعد إعترف هذا الجاسوس ؛ بأنه كان يدرس تركيبة السكان في المناطق التي تواجد فيها ، وكان يبحث في العلاقات السلبية بين السكان ، وكيفية تأجيج النعرات القبلية والجهوية واثارة الحساسيات بين الجيش والشرطة ، وتمكن من اختراق مواقع عسكرية وامنية ، مرتبطاً ببعض الشباب السذج الذين اغراهم بالمال والمؤثرات العقلية "المخدرات" ، وبالإنحراف السلوكي بإعتباره يمارس الشذوذ .. ثم تحول نشاطه إلى تشكيل عصابة إجرامية مارست عمليات السطو على المنازل والمحلات التجارية ، واستطاعت هذه العصابة ان تجمع كميات كبيرة من الذهب والمعادن الثمينة ، ومن الأجهزة الألكترونية ، تم العثور عليها بوكر هذه العصابة في "شارع عشرين" ، حيث كان يقيم في منزل مستأجر ومعه زوجته الليبية .. وكان الأحتفاظ بهذه المسروقات خاصة الثمينة منها سبباً ، ذكر في التحقيق معه انه كان يخشى بإن عملية بيعها ، يقد يجرّ الأمن إليه ويكشف نشاطه التخريبي ، واكتفى بالصرف على هذه العصابة من المبالغ المالية التي يتم سرقتها ، او من التمويل الخارجي .. وهذا التصرف يمثل إحدى قواعد الأمن لدى المنظمة الماسونية التي ينتمي إليها .
لقد امضى هذا الجاسوس عشرين عاماً ينشر الرذيلة والخراب ، ويثير الفتن بين طوائف الشعب معتمداً على تخلف المواطنين ، الذين استخدمهم في برنامج هذه المنظمة .
في بداية الثمانينات إجتاحت مدينة بنغازي عمليات سطو تعرضت لها املاك المواطنين ، وشكلت ظاهرة خطيرة اثارت الرأي العام ، ونشرت القلق بين سكان بعض المناطق ، وسٌجلت هذه القضايا جميعها ضد مجهول .. وبسبب هذا التدني في الخدمات الأمنية تم دعّم قسم البحث الجنائي ، وتم تشكيل مجموعات للتحريات لتعقب هذه العصابات .. وقد تمكّن مواطن صالح من الحريصين على امن بلادهم ، أن يلتقط رقم إحدي السيارات التي اشتبه في ارتباك سائقها ومرافقيه ، وعلى الفور تقدم ببلاغٍ للبحث الجنائي .. وبمعاينة المكان الذي وجدت فيه السيارة تبيّن انها كانت قريبة من منزل احد المواطنين ، الذي تعرض للسرقة في تلك الليلة .. وبالبحث في سجلات المرور عن المالك الأصلي للسيارة ، تبّين انها ملكاً لأحد المواطنين وانه قام ببيعها دون نقل ملكيتها . واستمرت التحريات فترة لأن السيارة تعددت عمليات بيعها من شخص لأخر ، إلى أن وصلنا إلى أحد افراد العصابة التي كانت بحوزته ليلة هذه الواقعة ، وبمراقبته تبين انه يتردد على منزل "كوبسل " وكذلك شباب آخرين ، فتم استئذان النيابة العامة بتفتيش هذا المنزل المشبوه .. وبهذا الإجراء الأمني الفاعل تم ضبط هذا الجاسوس وثلاثة من اعضاء هذه العصابة . وبتفتيش المنزل عثر على هذه الكميات الكبيرة من الذهب والمواد الإلكترونية والكهربائية ، وقد تطابقت هذه المضبوطات مع بلاغات المواطنين .
حينها كنت مديراً لأمن بنغازي واتصل بي الأستاذ "مفتاح عبد السلام بوكر " أمين اللجنة الشعبية للعدل ببلدية بنغازي آنداك ، ومن خلال الهاتف أبلغني بنتائج جهد البحث الجنائي قائلاً ؛ "أنني اشعر بأن هناك الغاز في هذه الواقعة " وطلب مني اللقاء في قسم البحث الجنائي .
في الحلقة القادمة .. سنبين لكم كيف تطوّرت هذه القضية تطوراً خطيراً ومذهلاً ..