( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا
وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولاشفيع
وإن تعدل كل عدل لايؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم
وعذاب أليم بما كانوا يكفرون / قل أندعوا من دون الله ما لاينفعنا ولايضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران
له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا
قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين
وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون )
سورة النعام آيات / 70/ 71/ 72 /
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا / الخطاب موجه إلى النبي الكريم
ذر / اترك عنك ودع هؤلاء الذين جعلوا اللعب واللهو دينا لهم
أو هم جعلوا الدين في حياتهم لعبا ولهوا
فــ هم إما تسفلوا بالدين فــ جعلوا اللعب واللهو دينا
والدين في حياة الإنسان يشمل حاضرها وغائبها ومعلومها ومجهولها ويشمل الحياة ويشمل مابعد الحياة فـ الدين هو الشيء الوحيد الذي يشمل الحياة الدنيا تشريعا ويشمل مابعد الحياة الدنيا مصيرا وحسابا فـ كل شيء في حياتنا ينقطع بانقطاع الحياة إلا " الدين " فهو رفيق الحياة شريعة وهديا وراحة نفس ورفيق ما بعد الحياة مصيرا وحسابا لايخطيء فيه السائل ولاينجو فيه المسؤول
يقول مولانا لرسوله الكريم / اترك عنك هؤلاء الذين تسفلوا بـــ الدين فــ جعلوا لعبهم ولهوهم الفارغ دينا يلقون به الله فقد غرتهم " الحياة الدنيا " فلم يروا فيها غير اللعب وغير اللهو ومالعبهم ولهوهم إلا كــ سراب بقيعة في يوم لافح الحر شديد العصف يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه
وذكر به أن تبسل نفس بماكسبت / أي وذكرهم بالقرآن وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا وذكرهم يوم تبسل كل نفس / البسل هو الشدة والقوة والفضيحة وطعم الخيبة المر الذي يتجرعه الكافر ولايكاد يسيغه وياتيه الموت من كل مكان وماهو ميت
البسل / هو الشدة في تعرية الفضيحة وكشف المستور
وكلما فتش المبسول ( أي المفضوح ) عن ولي فلا ولي وعن شفيع فلا شفيع وحتى لو بذل المفضوح المكشوف كل ما في الأرض ليفتدي من العذاب فلن يؤخذ منه
لأن " أولئك أبسلوا ) أي انكشفوا واشتدت فضيحتهم ( بما كسبوا ) من اللعب واللهو وغرور الحياة الدنيا فهم يومئذ أي ساعة الحساب ( لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ) والكفر هو تغطية الحق بالباطل
وكفر الشيء تغطيته ومنه سمي المزارع "كافرا " لأنه يغطي وجه الأرض بالنبات
وسموا الليل " كافرا" لأنه يغطي الأرض بالظلام
وسميت الأرض الخصبة التي يغطيها النبات " كفر" و"كفرة " لأنها غزيرة النبات
والكفار / يغطون هدي الله بــ سخافتهم التي صنعوها من اللعب واللهو فجعلوها دينا يلقون به مولاهم تكاسلت عقولهم عن البحث وتكاسلت قلوبهم عن الهدى وتكاسلوا عن العبادة والإخلاص لله واستعبدتهم الحياة بلهوها ولعبها فــ تحنطوا تحت العادات والتقاليد والرغبات والشهوات فــ نزلوا بانفسهم " أسفل سافلين " كأنهم كانوا " أمواتا " والزمن يجري بهم حتى وجدوا أنفسهم عرايا مكشوفين أمام مولاهم لادين لهم إلا اللعب واللهو فــ كانت ضيافتهم شرابا من حميم تحت العذاب الأليم
(قل أندعوا من دون الله ما لاينفعنا ولايضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله
كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا
قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين )
ويلفت النظر تعبير " مالا ينفعنا ولايضرنا " عن الأوثان والأصنام وآلهة المبتدعة
فــ المتوقع أن يقال " مالاينفعنا ويضرنا " فــ كل معبود سوى الله يضر ولاينفع
ولكن التعبير القرآني كان حاسما " مالا ينفعنا ولايضرنا " فلانافع ولاضار إلا المعبود الحق مولانا عز وجل فــ أما ماسوى الله فـ هو "عدم" و"فراغ " لاينفع ولايضر لأنه في الحقيقة " لاوجود له " إنما هو موجود في أهواء من عبدوه ليس إلا
والذين يعبدون أهواءهم إنما ينتكسون انتكاسا من الهدى إلى الضلال ومن الحق إلى الباطل ومن الله الخالق الرازق النافع الضار إلى عدم لاوجود له على الحقيقة
فــ هم " كالذي استهوته الشياطين في الأرض " في الفلوات والخلوات الموحشات تعبث به الأغوال والخيال والهواجس وتتقاذفه المخاوف وتختلط عليه شهواته وسهواته وزهواته فــ هي موتاه الذين يطاردونه وهي مقبرته التي يحملها في نفسه تطارده وهي لهوه الذي مات فتحول فيه شبحا وقيحا وصديدا فكل زهوة هي قيح وصديد بعد انقضائها وموتها في النفس ... وكل زهواته وكل سهواته وكل شهواته هي مقابر ترافقه وتنافقه وتوافقه وتعانقه وتخنقه .... هي الأغوال وهي الأهوال .... في الفلوات الخاليات الموحشات تتلاعب به الهواجس وتتشكل له أصحابا يهجسون له " إلى الهدى ائتنا " ومامن هدى ولاهاد .. ومامن طريق ولا خطوات ومامن دليل ولا بيان ... إنهم لايدعونه إلا إلى الرعب والتعب والصعب
ويصدح الحق للرسول العظيم أن يقول لهم ( إن هدى الله هو الهدى )
ثم ياتي الميزان ( إياك نعبد وإياك نستعين ) فــ يقول
( وأمرنا لنسلم لــــ رب العالمين )
لنجد أنفسنا ومرة أخرى نعيد بدايات فاتحة الكتاب
نمسح بها هواجس الشياطين ونتوضأ بها من غبار الشك ونتطهر بها من خبث المسارب الخاطئة والدروب الضالة ونحن ندعو في إخلاص وصدق
( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين