( قل ياأهل الكتاب لاتغلوا في دينكم غير الحق
ولاتتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل
وأضلوا كثيرا
وضلوا عن سواء السبيل /
لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون / كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه
لبئس ما كنوا يفعلون ) سورة المائدة 79 / 80 / 81 /
غلا يغلوا / بالغ في الشيء حتى خرج به عن حده فــ قلبه إلى ضده
والمغالاة في الأمر تخرجه من طبيعته كما أراده الله إلى أمر " مشوه " و"ممسوخ" باهواء العبد ومزاجه وفهمه القاصر المنقوص وأغراضه السافلة وأنانيته المدمرة
والمغالاة هي الدفع بالأمر إلى "درجة الغليان " والتدمير والخراب والضرر
فهو بدل أن ينضج الأشياء يحرقها وبدل أن يكون "شفاء" يصبح أكبر داء
والإنسان لايغالي في " دينه " إلا مداراة لنقص يراه في نفسه أو نقص يتوهمه في "عقيدته " كأنه يريد أن يصنع لــ نفسه دينا غير دين الله وكأنه يتوهم " النقص "
في شرع الله فــ يكمله هو بأوهامه وتخريفاته وتحريفاته وتشويهاته
ولكن من أين يولد هذا "الغلو " الفاسد ؟
إنه يولد من "اتباع " و"تقليد " ( قوم قد ضلوا من قبل )
هؤلاء "قوم هم من بعض من " اتخذ إلهه هواه " فجعل ينسج هواه الفاسد وأغراضه المنحطة بما فيها من " أجندات " فاسدة وأغراض نتنة ومفاهيم ملتوية حتى يجعل من كل ذلك " دينا " ينسبه زورا وبهتانا إلى الله تعالى
وإنما يفعل ذلك الذين " يحرفون الكلم عن مواضعه " وهم " السماعون للكذب "
و" الأكّالون للسحت " الذين " يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وماهو من الكتاب " وهم الذين " يفترون على الله الكذب " وهؤلاء الذين " ضلوا من قبل " هم الذين يقول مولانا عنهم يحذرنا منهم ومن سلوكهم وغلوهم وتشويههم لــ دين الله ( ولاتقولوا لماتصف الكذب هذا حلال وهذا حرام لــ تفتروا على الله الكذب
إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون /
متاع قليل ولهم عذاب أليم ) وهؤلاء الغلاة الذين (ضلوا من قبل) لم يكتفوا بأنهم قد شوهوا وأفسدوا سماحة الدين ويسره وسهولته وبساطته وفطرته بل هم " ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا ) وهم قد أضلوا غيرهم بالتحريف والتأويل والتشويه الذي تمليه عليهم أهواؤهم وتقتضيه مصالحهم وتفرضه عليهم رواسب في أنفسهم وأمزجتهم الفاسدة حتى ( ضلوا عن سواء السبيل ) و" سواء السبيل " هو " الصراط المستقيم " الذي يطلبه المؤمن من مولاه في كل ركعة من كل صلاة قائلا راجيا داعيا ( اهدنا الصراط المستقيم ) و" الصراط المستقيم " قوامه وميزانه
ـــ إياك نعبد
ــــ وأياك نستعين
فإذا غاب إخلاص العبادة لله وحده لاشريك له
وغابت الاستعانة بالله وحده في كل شيء
فــ قد غاب "ميزان الإيمان " يقول مولانا تعالى (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )
ولهذا الغلو والمغالاة والغليان التي ضلت وأضلت وفسدت وأفسدت وشوهت سبيل الله وحرفت كلام الله يقول مولانا ( لعن الذين كفروا من بني إسرئيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )
إي والله كانوا يعتدون ... على شرع الله فجعلوه شرعهم هم
وكانوا يعتدون على كلام الله حتى جعلوه تبعا لأهوائهم وكلامهم وأغراضهم
وكانوا يعتدون على عباد الله فـــ جعلوا يقولون هذا حلال وهذا حرام يفترون على الله الكذب فـ نفّروا ولم يبشّروا وعسّروا ولم ييسروا وجعلوا السماحة ضيقا وضيقوا على عباد الله ماوسع الله لعباده فالله تعالى سهل الدين وماجعل علينا (في الدين من حرج)..... وعلمنا بوضوح " لايكلف الله نفسا
إلا وسعها لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت "
ولكن هؤلاء الغلاة الذين شوهوا فطرة الله في دين الله (كاوا لايتناهون عن منكر فعلوه ) وتأملوا أنتم تعبير " كانوا لايتناهون " فـــ التناهي والتفاعل والمشاركة شيء واضح غير " النهي " من جهة واحدة تحتكر النهي والتشريع والتحليل والتحريم
التناهي حياة وتفاعل ومشاركة وتيسير
والنهي أمر وتحكم وتشريع لايعرف أحد مصدره إلا من شرّعه
ولأنهم كانوا " لايتناهون عن منكر فعلوه " يقول مولانا عنهم وعن فعلهم هذا
( لبئس ماكانوا يفعلون ) فاستحقوا اللعنة من الله على لسان رسله الكرام
واستحقوا أن يذهبوا ملعونين بسوء فعلهم ومغالاتهم وتشويهم لسماحة شرع الله
ويبقى الميزان واضحا صريحا
ــــ إياك نعبد/ وحدك لاشريك لك
ـــــ وإياك نستعين / في كل أمورنا فلا معين لنا غيرك
وفوق هذا كله فنحن نلهج بالدعاء الخالص لله تعالى وحده
( اهدنا الصراط المستقيم ) بعيدا عن الغلو والمغالاة والغليان