
{1}
ليبيا الحالية في تكوينها، قبائل يدّعي معظمها أصله العربي، و انحداره من نسل واحد و ذلك ليس حقيقة. ذلك مجرد زعم طمعاً في النِّسب للأنبياء و الرُسل!
هناك في ليبيا مكونات اجتماعية اخرى لاتدّعي ذلك و هي الى وقت قريب لا تُعرف الاّ كقبائل ، قبل ان يقول المنتمون لها مؤخراً ، انها أممٌ.
نقصد هنا قبائل الجبالية و الزوارية قبل ان يقولوا أمازيغاً ، و قبائل التبو و التوارق اذا لم يقولوا امازيغاً.
ليبيا في كل تاريخها، لم تقم على فسيفساء الأقوام و لا الأعراق. جميع قبائلها واجهت أي غاز بإعتبارها ليبية فحسب ، و تعاونت في ذلك دون استثناء .
{2}
قديماً ليبيا كجغرافيا لم تكن هذه التي نعرفها حالياً. ليبيا كانت تمتد من برج العرب في مصر الحالية، الى بن قردان في البر التونسي الحالي و ربما أبعد من هذا. كل هذا الامتداد كان يعرف بِـ ليبيا ، و مازال حتى اليوم يشترك في العادات والتقاليد والأعراف ، خصوصاً في اللباس و الفنون و الطعام ...
كما أن ليبيا الناشئة سنة 1951 ، لم تقم على نزعات قبلية، أو جهوية. ليبيوا تلك الحقبة صنعوا ليبيا فحسب، و حين اصر الأوصياء على وجود دستور يربط بينهم ، اثبتوا عدم حاجتهم له، فلم يختلفوا على محتواه ، و لم يلتزموا بمضمونه، فظلت البلاد محكومة بسائد العرف ، لا بقواعد الدستور.
لم تكتسب البلاد قوتها و استقرارها من الدستور؛ بل من شعور قوي بين مكوناتها ، بوحدة الإنتماء و المصير .
{3}
منذ "عام الفتنة" سنة 2011 و في مسعى للتحرر من قيود موهومة ، و طمعاً في الحصول على عوائد اكثر من ثروة؛ قيمتها في الاذهان اكبر منها في الواقع؛ تعيش ليبيا على وقع شعور بعض أهلها بالانتماء الى كيانات اصغر منها؛ جغرافية او اجتماعية، فصارت بعض قبائلها تنظر إلى نفسها كأقليات عرقية و تطالب بالاعتراف بحقوق لها ؛ كتلك التي تتمتع بها اي أقلية في أمة ، و تطالب اخرى بحق إقامة كيان إقليمي ، داخل الكيان الليبي ، للحصول على عوائد من موارد ليبيا، تساوي حقها المهضوم من الادارة المركزية كما تتصور!
نظرياً ؛ تعتبر هذه المطالَب منطقية، عملياً يعني الأخذ بها نسيان ليبيا كدولة، لان ليبيا من ناحية ديموچرافية فقيرة جداًّ بوضعها التي هي فيه ، فماذا لو جرى تفتيتها؟
الحديث عن اقليات ، و عن "فيدراليات" و حقوقها لا يستقيم الا في الكيانات الاجتماعية الكبيرة. الامم و الدول الكثيفة السكان و الموارد . ليبيا ليست أمة حتى يمكن الحديث فيها عن اقليات ، و ليست قارة كأميركا او غنية كألمانيا مثلاً سكاناً و موارداً ، حتى يمكن الحديث فيها عن "فيدرالية" ...
الليبيون اصغر من ان يقارنوا بالأمم، و بلادهم أدنى من أن توصف بالغنيّة.
"الأمة الليبية" مجرد وهم ، و الحديث عنها محض استعارة بلا محل من نظام الأمة الدولة ، الذي ظهر في أوروبا في الوقت الذي كانت فيه ليبيا ولاية تتبعها متصرفيتان.
و ليبيا الفائضة بالثروة مجرد وهم أيضاً. ما عند الليبيين من ثروة لا يكفيهم للدخول في تنمية حقيقية و رفاه معاً.
هذه هي الحقيقة. نكرانها انحياز للعواطف فقط ...
{4}
من ناحية إجتماعية تُعد ليبيا، كتلة سكانية واحدة بقبائلها المختلفة بما فيهم الجبالية و الزوارية و التبو و التوارق.
الكلام عن هذه القبائل باعتبارها أقلية من أمّة، كما ظهر في السنين الأخيرة، يعني الكلام عن كيان اجتماعي يمتد خارج ليبيا؛ ترى فيه القبائل الليبية الأخرى تهديداً لها، تقابله بالتعصب لكيان اجتماعي آخر كما تظن ، يمتد هو الآخر خارج ليبيا.
لا الليبيون أمّة، و لا العروبة عرق.
كل اعتقاد بان العروبة عرق هو اعتقاد خاطيء دون شك.
العروبة التي تحتوي الجغرافيا و الديموجرافيا من فاس و مكناس حتى الأحواز و من المتوسط حتى الساحل الافريقي هي حضارة و ثقافة اجتمعت فيها أعراق مختلفة.
الخطأ الذي يلتزمه كثيرون هو نظرتهم للعروبة كعرق. هذه نظرة قاصرة.
العروبة ليست عرقا. العروبة حضارة و ثقافة عمادها اللسان العربي و الإسلام بمعناه الأشمل الذي يحتوي اليهودية و المسيحية كما أُنزلت و ليس كما جرى تحريفها..
النظر للعروبة كعرق يجردها من كل مكتسباتها الثقافية و العلمية التي حققتها بإستيعاب الأعراق و الإثنيات الأخرى حيث ما وصلت ...
{5}
لا يختلف الجبالية و الزوارية و لا التبو و التوارق بقبائلهم المتعددة عن بقية الليبيين إلّا بلهجات تخصهم؛ عدا هذا فإن كل مالهم مشترك مع الليبيين في معظمه ...
هذه اللهجات هي الشيء الوحيد الذي يمتازون فيه عن غيرهم من الليبيين و هذا يجب أن يكون لمصلحة الليبيين جميعا و مصلحة ليبيا كلها و ليس عاملا لتشتتهم و تلاشيها .
حتى إذا اعتبرنا هذه اللهجات لغات فإنه لا يمكن فرضها على الغير ، كما لا يمكن منعها ..
لا يمكن أن تفرض القوانين اللغات و لا أن تمنعها. اللغات تفرض نفسها بسهولة استخدامها، و بقدرتها على التعبير و الإستيعاب و الإحتواء و النقل لما يكون المتلقي في حاجته، او مغرم به من فنون ، و أداب، و صناعات ، و حرف .
اللغة لسان الحضارات و أداتها.
إذا رأى الليبيون فائدة في هذه اللهجات فيجب توظيفها ، و إذا كان المستفيد منها اصحابها فقط فيجب احترامها و العمل على جعلها مشتركا بين الجميع لا عازلا بينهم ، و هذا يتحقق ذاتياً دون تدخل...
كلما تعصبنا لهذه اللهجات كلما ابعدنا الناس عنها و كلما تسامحنا معها احبتها الناس فانتشرت.
أليس من الأصوب لليبيين أن يتسمّوا باسماء ليبية مثل سيفاو و يخلف و افنايت و وهلي و حبيب و أخرى كثيرة غيرها؛ على أن يتسموا باسماء تركية أو فارسية من قبيل فوزي و نوري و طلعت و نبراس و أخرى كثيرة غيرها ؟
لعل بداية كهذه فيها خير ..