سورة المائدة مدنية ويقول الرواة إنها آخر مانزل من السور المدنية وترتيبها في السور المدنية 29 من 29 سورة مدنية ونزلت بعد سورة التوبة
وهي تسمى سورة المائدة / وسورة العقود / وتسمى المنقذة
ونزل منها قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت لكم الإسلام دينا ) يوم الجمعة التاسع من ذي الحجة
والناس وقوف بـ عرفة في "حجة الوداع "
قال الراوي / وفي لحظة نزولها بكت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم هيبة وإجلالا للقرآن العظيم ومع ذلك فهي مدنية باتفاق لأنها نزلت بعد الهجرة
( ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا
وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله
إن الله شديد العقاب ) سورة المائدة آية 3
وتأملوا ــ بالله عليكم ــ الآية الكريمة جيدا
تبركوا بإعادة تلاوتها مرات ومرات وتعطروا بفوحها وعطرها الروحي
تأملوا ـــ هداني وهداكم الله ـــ روعة الإسلام وسماحة الإسلام
وانظروا ــ بالدليل ـــ كيف يحترم الإسلام "حقوق الإنسان "
الحقوق الحقيقية وليست " الحقوق " الفارغة التي تنفخنا بها أبواب الدعاية الغربية ثم تمسحها بقنبلة محرمة تفجرنا بها انتقاما وثارا لــ "هر " صدمته سيارة بالخطإ
فـــ نحن وحقوقنا وإنسانيتنا لانساوي "هرا" غربيا
وحقوق الإنسان التي ينفخون بها رءوسنا ويدمرون بها حياتنا ويخترقون بها سيادتنا ليست أكثر من "حجة " يستحلون بها حرمتنا ودماءنا أما على الحقيقة فنحن لانساوي عندهم أكثر من " مصالح " وأسواق " ومجموعة من الأغبياء تجري عليهم "التحارب " يلعبون بنا وبــ حياتنا كما يحلوا لهم وكما تقتضي مصالحهم ينتهبون خيراتنا ويخترقون حرماتنا ولامعنى لـ حقوق الإنسان إلا أنها مجرد شعارات فارغة
أما هنا ... في الإسلام العظيم فــ تأملوا كلام الله تعالى ... كلام مولانا الخالق العظيم الذي خلق الإنسان وصان حرمته وحقه في الحياة كاملا غغير منقوص
( ولايجرمنكم شنئان قوم ) أي لا يدفعنكم كراهيتكم لــ قوم ما
أي لاتجعلوا كراهيتكم لــ قوم ما سببا ومبررا للانتقام منهم والاعتداء عليهم
وهؤلاء القوم هم الذين " صدوكم عن المسجد الحرام" ومنعوكم من زيارته والطواف به وهم ردوكم عن المسجد الحرام ردا منكرا واعتبروه نصرا مؤزرا واعتبروا عودتكم ورجوعكم هزيمة فاضحة فادحة وتغنى بذلك شعراؤهم وخطباؤهم ....
ومع ذلك فإن هذا الرد والصد ينبغي ألا يدفعكم إلى الاعتداء عليهم
هذا الرد يدفعكم إلى كراهيتهم وبغضهم ... نعم ذلك شعور نفسي وهو من حقكم
ولكن هذه الكراهية وهذا البغض لاينبغي ـــ أبدا ـــ أن يكون مبررا للعدوان
اكرهوهم ... هذا حقكم ولكن لاتعتدوا ولاتنتقموا ولاتحرموهم حق الحياة وحق التعبير
فـــ الكراهية شيء
والعدوان شيء آخر
الكراهية شعور شخصي
والعدوان سلوك عدواني واعتداء على حق الغير في شعوره
(ولايجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا )
نعم هم صدوكم وردوكم ردا منكرا قاسيا
ولكن هذا الرد والصد هو مبرر للكراهية
والكراهية ليست مبررا للعدوان فلو أن كل إنسان اعتدى على من يكره لامتلأت الدنيا عدوانا ولتحولت الحياة إلى مقابر وثارات لاتنتهي فـــ المشاعر الإنسانية تحترم ولكنها لاتبرر العدوان ولايبني عليها الإنسان سياسة عامة
وليس هذا فحسب بل يقول لنا مولانا ماهو أهم واعم ويرسم لنا " السياسة " الرشيدة التي تقوم على "العقل " و" الحكمة " ولاتققوم على المشاعر فـ كل إنسان هو حر في مشاعره ولكنه ليس حرا في تجريد الآخرين من مشاعرهم وليس حرا في ان يجعل مشاعره ميزانا يطبقه على الاخرين فــ المشاعر " فردية " و" شخصية " و"السياسة " عامة تعبر عن "الجميع " وعن " المجتمع " ولاتعبر عن " الأفراد "
ولهذا يقول لنا مولانا عز وجل ( وتعاونوا على البر والتقوى ) أرأيتم ؟ أسمعتم ؟ أتأملتم ؟ فـ الخطاب هنا للـــ جميع للــ مجتمع ... والمجتمع مطلوب منه وبامر الله تعالى أن " يتعاون على البر والتقوى " فــ ليس العدل أن تنقتم ممن تكره
ولا أن تلغي من تبغض ولا أن تعتدي على من لاتحب
كان عمر بن الخطاب يبحث عن (أبي مريم السلولي ) قاتل (زيد بن الخطاب ) شقيق عمر / قتله في حروب الردة وكان عمر رضي الله عنه أقسم لئن ظفر به ليقتلنه بأخيه فاختفى "السلولي " حتى بويع عمر بالخلافة وفي يوم البيعة تقدم السلولي حتى بايع وفي المبايعة قال لـ عمر
ـــ هل عرفتني يا أمير المؤمنين ؟
أجاب عمر
ــ لا والله
فقال السلولي وهو يقبض على يد عمر
ــــ انا أبو مريم السلولي يا أمير المؤمنين
ونفض عمر يده وهو يصيح
ـــــ قاتل زيد ؟
وأجاب الرجل هادئا
ـــــ بلى يا أمير المؤمنين ... أنا قاتل زيد
وصاح فيه عمروهو يشيح عنه بوجهه
ــــ فما جاء بك الآن ؟
قال الرجل
ــــ هربت منك حين كنت أنت ولي دم زيد
وظهرت الآن حين صرت أنت أمير المؤمنين فــ صرت ولي دم الجميع
فانت ولي دم زيد وولي دمي أنا على السواء يا امير المؤمنين
وقال عمر لمته التاريخية التي تناقلتها الأجيال
ــــ والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم
فقال الرجل
ـــ فــ هل يمنعني بغضك لي حقا من حقوقي
فـــ قال عمر وهو يضع الآية التي نحن بصددها أمامه
( ولايجمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا
وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان وواتقوا الله )
قال ابن الخطاب خاضعا للدستور الإلهي الكريم
ــــ لا والله .... لايمنعك كرهي لك حقا هو لك إلا أن تعتدي على حدود الله تعالى
فـــ قال الرجل باسما
ـــ فأنا لا أريد حبك لي
فإنما يأسى على الحب ... النساء
تلك هي "حقوق الإنسان " في الإسلام السمح
الكراهية والبغض والرؤية الشخصية لاتبرر عدوانا ولاتبرر حرمان الغير من حقه
في الحياة ومن حقه في التعبير عن مشاعره ما لم يؤد ذلك إلى ضرر بالعامة
والميزان موجود " إياك نعبد " فلانتخطى كلامك
وإياك نستعين / على أنفسنا لكى لاتضل الصراط المستقيم
وهذا الإيمان هو الذي يقيدنا به مولانا فيقول لنا في ختام الآية
( واتقوا الله ... إن الله شديد العقاب )
وهو شديد العقاب لكل من يجعل مشاعره " الشخصية " شريعة وقانونا يحاكم به
من خالفه ويجرم به من كرهه ويحكم به على من كرهه
فــ الشرع "أمة " تعمل بكلام الله وليست أفرادا يتبعون مزاجهم وأجندتهم الخاصة