-->
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

📚 قبسات ب ✍️ لاستاذ عمر رمضان 📚


وفي السورة لفتات روحية إلى سيدنا يعقوب الوالد المفجوع في " سلوك " أبنائه الذين طغت عليهم الأنانية والنفعية فــ كان يلاحظ ضيقهم بــ يوسف ..كأن
" دنيا الله " لاتتسع للإخوة في خير الله تعالى
وكأن قلب "الوالد" إن امتلأ بهذا ضاق بذاك
وواضح من متابعة " يعقوب " لأبنائه أنه كان يعرف ـــ بتجربته وبحسه ويإلهام الله له ـــ ما يدور في خلجات أبنائه نحو يوسف وأخيه الصغير
نعرف هذا من إجابته لهم حين طلبوا منه ان يأذن لهم بأن يأخذوا يوسف معهم
" يرتع ويلعب " فقال ( إني ليحزنني أن تذهبوا به )
وتعبير " يحزنني " تعبير لافت فهو لم يقل لهم " إني ليخيفني " مثلا أو "يكدرني "
بل اختار تعبير " الحزن" كأنه يسبق ما ســــ يأتي
ثم جاءت هواجسه مندفعة بلا تحفظ فقال ( وأخاف أن يأكله الذئب )
قال بعض العارفين " إن سيدنا يعقوب أعطاهم حجة يواجهونه بها فقد كانوا قبل ذلك يفكرون ماذا سيقولون لوالدهم عندما يعودون من غير يوسف فلما قال لهم
" أخاف أن يأكله الذئب " جاءتهم الإجابة على لسانه
ومع ذلك فقد كان يعقوب والدا عظيما فهو رغم هواجسه وشكوكه في أبنائه إلا أنه لايريد أن يتهمهم ولايريد أن يكدرهم بسوء ظنه فيهم فقال كالمعتذر عنهم ( أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ) فــ جعل الأمر "غفلة " ولم يجعله " كيدا " أو "خبثا " وهذه " الغفلة " قد تكون "غفلة مراقبة" وقد تكون "غفلة قلب "
وحين جاءوه "عشاء يبكون " وأخبروه أن " الذئب أكل يوسف " في غفلة منهم كما توقع هو و" جاءو على قميصه بدم كذب " كان تعقيبه تعقيب الحكيم الصابر
فـــ تجنّب مواجهتهم بــ التهمة والتكذيب ولكنه قال في ثبات المؤمن
( بل سولت لكم أنفسكم أمرا ) فــ كان نبيّا مصلحا يعنيه أن يصلح ما "فسد " من نفوس أبنائه وأتباعه فقال كلمته كي "يراجع " كل منهم نفسه التي " سولت " له هذا
ثم قال على مسمع منهم وهو يناجي مولاه ( فـ صبر جميل والله المستعان على ماتصفون ) فــ كان بذلك معاتبا ومصلحا ومرشدا ومؤمنا يعلم من حوله
ورغم كل ماجرى ورغم "غيبة يوسف " التي طالت ثم طالت وانقطعت أخباره عنهم نهائيا إلا أن " يعقوب " لم يفقد الأمل في الله تعالى فــ كان يشعر ــ على نحو من الأنحاء ـــ أن هذا الذي يجري عليهم ليس إلا "درسا " وامتحانا ربانيّا
لـــ يوسف في تأهيله وتمكينه
ولــ يعقوب في صبره وثباته
ولأولاده في الرجوع عن خطئهم وغفلتهم
فكأنه حين قال لهم " وأنتم عنه غافلون " كان يعني
غفلة الشعور والقلب وموت المودة فيهم تحت تأثير الأنانية
وحين تكرر الأمر مرة أخرى في الولد " الصغير" الذي طلبوا من أبيهم اصطحابه إلى " العزيز " حتى " يزدادوا كيل بعير " ثم كان ماكان من "سجن العزيز " للولد الصغير لاتهامه بسرقة "صواع الملك"
وحين جاءو يخبرونه بذلك ..عاد يعقوب يردد عليهم الدرس من جديد
فقال لهم هذه المرة كما قال لهم أولا ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا ) فـ هو يصر في كل مرة على دعوتهم لــ مواجهة أنفسهم ....
كان ينبغي عليهم أن يواجهوا أنفسهم التي تسول لهم المعصية وتبرر لهم الخطأ ... وهو كان يعنيه أن يسترد يوسف
وأن يسترد الولد "الصغير "
ويعنيه ــــ أولا ـــ أن يسترد أبناءه هؤلاء الذين " سولت لهم أنفسهم أمرا "
فــ يعقوب والد مسؤول عن أولاده
ويعقوب نبي مسؤول عن نبوته أمام الله تعالى
وهو صاحب " رسالة " أخلاقية عليه أن يبلغها و" الأقربون " أولى بالمعروف
وعاد يردد أمامهم في ثقة كاملة ( فـ صبر جميل / عسى الله أن يأتيني بهم جميعا )
ورغم كل عزمه وصبره فــ قد كان والدا مفجوعا في ولديه الضائعين
وكان والدا مفجوعا في أولاده الذين تسوقهم أنفسهم سوقا إلى الخطيئة
فــ التفت عنهم و( قال يا أسفى على يوسف
وابيضت عيناه من الحزن فــ هو كظيم )
إي والله والد مفجوع في ولديه الصغيرين الغاليين
ووالد مفجوع في أولاده الذين تسوقهم الغفلة إلى سخط الله تعالى
ومع ذلك فـــ هو (كظيم ) يكظم غمه ويكتم حزنه ويكابد همه
وليس شقاؤه بالغائبين بأقل من شقائه بالخاطئين
وجاءه صوتهم يريدون تصبيره أو يريدون الاعتذار لأنفسهم ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) كانهم كانوا يخافون عليه العلة
حرضا / مريضا معلولا يسوقك هذا المرض وهذه العلة إلى الهلاك والموت
وجا رد المؤمن الذي يريد بث الإيمان في من حوله
( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله )
فـــ هو لم يكن يشكو همه إليهم ولا إلى غيرهم من الناس وإنما هو يناجي مولاه
ثم واصل كلامه وهو يدفعهم دفعا إلى غاية في نفسه كان لابد له أن يقولها لهم
فقال كأنما يفتح أمامهم بابا من النور ( وأعلم من الله مالاتعلمون )
وهم يعرفون أنهم في حضرة نبي ملهم مهما " سولت لهم أنفسهم " فهم يعرفون والدهم بالتجربة وبالخبرة وبالعشرة ويعرفون نبوته التي تظهر لهم في كل أموره
ولهذا مال نحوهم وهو يقول لهم عازما جازما واثقا من ربه ( يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتيأسوا من روح الله )
إي والله شيخ فقد بصره حزنا على ولده
ولكنه لم يفقد أمله في مولاه
فهو مازال يدفع أولاده إلى البحث عن أخويهم وهو يحذرهم من "اليأس "
فــ المؤمن الواثق في مولاه لايعرف اليأس
ولهذا ختم كلامه لهم قائلا ( إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )
فـ الكافر رصيده معرفته ورصيده خبرته ورصيده شطارته
الكافر كل رصيده في يده ... وهو رصيد عاجز في يد عاجزة
أما المؤمن فــ رصيده موجود عند الموجود ابدا
رصيده عند الذي يقول للشيء " كن " فـــ " يكون" فلا مستحيل عند المؤمن
لأنه يطلب الذي لامستحيل عليه ويرجو من هو " على كل شيء قدير "
أيها الأحباب / سورة يوسف لصيقة بالنفوس قريبة من القلوب
هي "رفيقة " البيت المسلم تجربة وخبرة وتربية
فيها الإخوة الخاطئون الذين يعترفون بخطئهم آخر الأمر
وفيها الإخوة " المظاليم " الذين يتولاهم الله برعايته
وفيها الوالد العظيم ... والدا مفجوعا وصابرا واثقا في الله
ونبيا ...حريصا على البلاغ والتربية والتغيير والتنوير
ولهذا "تناثرت " كلماتها الطيبات و"تعبيراتها " الرائعات على الألسنة وعلى الأقلام فــ فوجدناها تدور على كل لسان في كل المواقف حتى صارت "تعابيرها " ثوابت نعبر بها جميعا عن خوالجنا ومواقفنا ومايعرض لنا في الحياة العامة ومن هذه التعابير مثلا
ـــــ 1ــــ شهد شاهد من أهلها ــــ 2 ــــ براءة الذئب من دم يوسف
ــــ 3 ـــ حاجة في نفس يعقوب ــــ 4 ـــ إن كيدكن عظيم
ـــــ 5 ــــ وما أبريء نفسي ــــ 6 ـــ إن النفس لأمارة بالسوء
ــــ 7 ـــ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ـــــــ 8 ــــ قال رب السجن أحب إلي
ــــ 9ــــ إني لأجد ريح يوسف ــــ 10 ـــــ دم على قميص يوسف
ــــ 11ــــ الآن حصحص الحق ــــ 12 ــــ لاتيأسوا من روح الله
ــــ 13 ــــ لاتثريب عليكم اليوم ــــ 14 ــــ تالله إنك لفي ضلالك القديم
ــــ 15 ــــ الله خير حافظا ـــــ إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و"القبسات " في سورة يوسف لاتنتهي ولكننا قبسنا منها ومن نورها ومن فيضها
مايسره الله لنا /// وفي الروح وفي القلب يرافقنا الميزان الثابت الذي لايفارقنا
ــــ إياك نعبد وحدك عبادة خالصة مخلصة فيها نورك الذي لايغيب ولايخيب
ــــ إياك نستعين استعانة صادقة لانرجو فيها غيرك ولانعول على سواك

عن الكاتب

فراس الفارس

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

الد لــAL-DALEELــيـل

2017