-->
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

📚 قبسات ب ✍️ لاستاذ عمر رمضان 📚



وهكذا رسمت هذه السورة الكريمة صورة حية صادقة لما كان يجري في مكة في بداية الدعوة الكريمة وكان الرسول الكريم وقتها " حل بهذا البلد " يرى بأم عينه الباصرة الواعية بعض السادة الذين يحسب الواحد منهم بطغيانه وجبروته ( أن لن يقدر عليه أحد ) فهو ــ في وهمه وهواه ــ قادر بماله وبجاهه وبسلاحه المدجج على كل شيء كأنه (النمروذ) الذي قال لسيدنا إبراهيم (أنا أحيي وأميت) أوفرعون الذي ( حشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى ) أوهو قارون الذي كان يعلن في كل مكان عن ماله وثرائه ( إنما أوتيته على علم عندي ) بل وكأنه تكرار وصدى لـــ صوت إبليس الملعون وهو يقول لخالقه عن آدم عليه السلام ( أنا ..... خير منه ) ...
فالسيد الثري الغني المغتر بماله المعتز بقوته وعدده وولده وحسبه ونسبه
يقول بكل وقاحة ( لن يقدر عليه أحد ) ... بينما راقد الريح المغلوب المسلوب المصلوب تقيّد الأغلال " رقبته " ولايجد من يرى أويحس مأساته
حين يرى قيوده التي تربط رقبته كـــ أنه الذبيحة جاهزة للسكين
كان الرسول العظيم يرى سادة قريش ويسمعهم وهم يقول الواحد منهم متبجحا متفاخرا (أهلكت مالا لبدا ) إي والله أهلكت ... هكذا بكل قذارة .. كان يهلك المال إهلاكا ... يلعب بالثروة لعبا ... يحرقها إحراقا ... يرميها في البحر عبثا ولهوا وغرورا وزهوا بينما في أحياء مكة وأرجائها وأطرافها تنتشر " المسغبة " القاتلة التي تلوي المساكين حتى يموتوا جوعا لايجدون من يطعمهم " في يوم ذي مسغبة " في مجتمع تفككت فيه الأواصر ومات فيه النسيج الاجتماعي وضاعت القيم والأصول حتى أكل الناس
(اليتيم ) أكلا قبل أن يأكلوا أمواله وحقه وإنما أكله قرابته
وأهله وكافلوه يتشطرون ويتحذلقون بذلك ليزدادوا ثراء ويزداد هو فقرا وموتا
والتعبير القرءاني البديع " فلا اقتحم العقبة " تعبير لافت صارخ باهر فريد
كأن فعل الخير يحتاج اقتحاما وهو ليس اقتحاما وكفى رغم صعوبة الاقتحام بل هو اقتحام (العقبة) فـــــ مجيء كلمتي " اقتحم " و "العقبة " أحاط بالصورة من كل الزوايا والجوانب فلم يكف أنه اقتحام مرير ومجهد بل هو اقتحام للعقبة الشديدة المريرة القاسية وهل يجد المرء اقتحاما هو أشد من اقتحام نفسه ومخالفة شهوته واختيار غير مايريد ويشتهي هواه ؟؟ إن مخالفة الرغبة فينا هو أعتى وأصعب أنواع الاقتحام . وإن مخالفة السائد والموروث والمفروض بحكم التراكم والتوارث هو من أشد أنواع الاقتحام مرارة وصعوبة .... وأي صعوبة هي أصعب من أن تواجه عقولا تحجرت على ماتربت عليه لتغيرها ؟؟ أي اقتحام هو أصعب من أن تواجه سادة يتمترسون خلف أتباعهم من المرتزقة المدججين بالسلاح والطمع والجهل فهم لايردون عليك كلاما بكلام وإنما هو كلام بــ قطع عنق وسفك دماء ؟؟ وهل يطمع المرء في أن يسمعه السادة الذين لوأطاعوه واتبعوه لخلت الدنيا من العبيد والجهلاء والمحتاجين والمساكين ولصار الناس كلهم ناسا ؟؟ وهل يتنازل السادة عن مراكزهم ؟؟ هل يطمع المرء أن يتجرد الأثرياء من منطق القتل والخطف والحبس وهم لايحتمون بغيره ولايجدون طريقا إلى التميز والسيادة والثراء والوجاهة إلا عبر الدماء والفتنة ؟؟؟
ويلفت انتباهنا أن الله تعالى قدم الحرية على كل شيء فقال " فك رقبة " ......
وشدني قوله تعالى " ألم نجعل له عينين " ... فــ التثنية في كلمة (عينين ) تستوقف القاريء كأنهما (عينان) لكل منهما "وظيفة "
إحداهما للخيروالاعتبار بنعمة الله
والأخرى للضلال والشروالفجور
وتثنية " شفتين " كأنما هي إشارة إلى
الكلمة الطيبة
والكلمة الحبيثة
وذكر (الشفتين) مع " لسانا " لأن الكلام يظل معلقا يدور على اللسان فلا معنى له مالم يغادر بوابة الشفتين فهما تمنحانه إذن الخروج وتأشيرة المرور وهما تمنعانه وتحبسانه ـــ إن شاءتا ـــ فلا يكون كلاما مسموعا يحاسب عليه قائله .... وكأن المراد ــ والله أعلم ــ من ذكر العينين واللسان والشفتين ليس مجرد الأعضاء العضوية وإنما المراد ــ والله أعلى وأعلم ــ مايسأل عنه الإنسان من أمانة البصر وأمانة النطق وأمانة الإدراك وهي كلها ــ أيضا ــ تظل عاطلة وملغاة مالم يكن معها " وهديناه النجدين " وقال (هديناه ) ولم يقل " أريناه / علمناه / فهمناه / دللناه ) لما في كلمة الهداية من حس روحي خاص ونحن جميعا لانفتأ نردد في كل ركعة من كل صلاة ( اهدنا الصراط المستقيم ) لأن في الهداية معنى الفطرة والإلهام
والتوفيق الرباني وذلك جزء من (موازين )
ــــ إياك نعبد
ــــ وإياك نستعين
الذي لايغيب عن المؤمن فإن غاب عنه فقد غابت عنه " هداية النجدين " وفقد دلالة "العينين " و"اللسان " و"الشفتين " فــ صارت مجرد " أعضاء" من تراب
وختام السورة المباركة هي وصية ونصيحة للمؤمنين يقرؤها المؤمن فيعرف أنه منقوص الإيمان مدخول العقل مالم يجد في روحه حلاوة تطبيقها والعمل بها عملا خالصا .... خالصا لله وحده يقول تعالى (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة ) ثم يجيء ختام الختام مبينا ماعلى المؤمن أن يحذره من صفات "الذين كفروا " فيقول تعالى
( والذين كفروا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة )
........ وتلك " قبسة " تعود بنا ـــ دائما ــ إلى الميزان الذي يراقب به المؤمن إيمانه ويضبط به إيقاع سلوكه في كل حياته
ويزن به (عبادته ) فــ المؤمن الذي يفتتح صلاته
ـــ في كل ركعة ــ بـــ ( الحمد لله )
على نعمه التي يعرفها والتي يجهلها هو المؤمن الصادق الذي يرى صلاته " وقفة عبد " بين يدي سيده فيها الخشوع والخضوع وفيها الطاعة والتسليم حتى تتحقق العبودية فلا عبودية لــ عبد لاترده صلاته عن " الفحشاء والمنكر "
فإن العبد الذي لاتنهاه صلاته ـــ نعم صلاته وليس الفقيه أو العالم ـــ عن الفحشاء والمنكر هو "مؤمن منقوص الإيمان " وليس له من صلاته غير المظهر الفارغ والرياء الملعون الذي هو "شرك من الشرك " الذي هو "ظلم عظيم "
فــ الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر
والعبد يقف أمام مولاه ومالكه وسيده في اليوم خمس مرات لـ يقدم "جرد الحساب " وليبث في "الروح " نفخة الإيمان وحس التقوى فــ كأنه " يشحن " الروح عبودية خالصة قوية لامكان فيها لغير المولى العظيم
فإن لم يشعر المؤمن هذا الشعور في صلاته فهو من الذين (هم عن صلاتهم ساهون )
والذين هم عن صلاتهم ساهون هم ( الذين يراءون ويمنعون الماعون )
وماذابقي من معنى "العبوددية " و" الصلاة " في عبد يحتكر رزق الله ويستأثر بنعمته دون عبادة فــ هو يصلي رياء أي هو يحاول " الكذب " على الله
وهو يمنع عباد الله حق الله مع أنه في افتتاح صلاته يقر بأن الله هو
( رب العالمين ) وهذا إقرار من العبد أنه هو جزء صغير حقير من (العالمين ) وإقرار بأن (رب العالمين ) كل العالمين هو ربه ولارب له غيره
والعبد يعترف ويقر ويعلن في صلاته أمام مولاه
ــــ إياك نعبد / وحدك لاشريك ولاشبيه ولانظير ولانديد لك
ثم هو ـــ بكل وقاحة ـــ يتوجه بـ صلاته إلى العيون التي تراقبه وإلى الألسنة التي تمدحه وإلى ما سيقال عنه وعن تقواه ... فــ صلاته رياء والرياء شرك
فــ هو عبد مشرك رغم إعلانه الفارغ المالغ
ــــ إياك نعبد
فــ إياك نعبد لاتكتمل ولاتكون ولاتتحقق فيها العبودية
إلا بإخلاص العبودية لله وحده
والعبودية لاتكون خالصة لله إلا إذا تحققت رسالة الصلاة ومعناها
والصلاة مهمتها ومعناها أنها " تنهى عن الفحشاء والمنكر "
فمن بقي في سلوكه شيء ولوقليل من الفحشاء والمنكر فــ صلاته رياء مردود
و"عبوديته " مدخولة منقوصة وميزان عقيدته مائل مغلوط
والميزان الذي يرافقنا ولايفارقنا هو
ــــ إياك نعبد عبادة خالصة من الشك والرياء وغايات الدنيا
ــــ وإياك نستعين في كل أمورنا وأولها صدق عبوديتنا وعبادتنا

عن الكاتب

فراس الفارس

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

الد لــAL-DALEELــيـل

2017