هذا العشوائي ألذي يضرب بلا هوادة و يٌذل بلا شفقة. اجبر الناس على الهروب و الإنزواء في بيوتهم . أخلى الشوارع و أقفل التجارة. تحدّى العلماء و وضعهم في حيرة. حتى فئران المختبرات منحها راحة من العذاب ما كانت في حسبان معذبيها.
تحدّى الباحثين الأكاديميين و المحللين السياسيين فحوّل معظمهم إلى أقل من منجمين و أدنى من تقّازين ..
وضع الكبار أمام اختبار مذهل: لن يكون لأكداس السلاح و وسائط الدمار الرهيب أي قيمة أمام ذرة مجهرية ميتة تبحث عن الحياة في الموت ، حد أن تحولت سَميّةُ "روزفلت" العائمة الذرية الاميركية الى جزيرة سائبة في عرض البحر مكدسة بالسلاح و الاسرار المكشوفة..
أدركت الناس أن الموت يبحث عنها و أن هذه الجائحة ليست اعصارا ليتنبأوا بحدوثه و لاهي عدو ظاهري يمكن منازلته، و اكتشفوا أنهم أقرب للموت من الحياة ، و أن العالم كان يستعد لأن يعيش بتكديس السلاح و بالتهديد بالحروب و بإحتكار الطعام و ليس بالسلام و بتوفير الرعاية الطبية و الإحتياط من الأمراض. كانت نسبة استعدادات الرعاية الطبية أدنى بكثير و لا تقارن بما يدخره العالم للحروب بما فيها احتكار الغذاء لافتعال المجاعات ..
لقد تحدّى فخامة كورونا أخلاق الناس مثلما تحدّى طبائعهم.
في بريطانيا تزدحم الغرفة المخصصة لخدمة رئيس الوزراء بجوار غرفة العناية التي ينزلها بالاف الأماني بالشفاء العاجل و التضامن و يصلي كثيرين لأجله ليشفى من المرض و ينجو من مصير حذّر الناس منه أول يوم خاطبهم فيه عن الجائحة و دعاهم للإستعداد لفقد أحبتهم..
ربما صنع الرجل بهذه الجملة من نفسه حبيبا للبريطانيين كلهم إلى الحد الذي أزدحمت فيه الغرفة
فالبريطانيون يعرفون أن الرجل ليس له من الأحبة الا كلبه "المتعوس" الذي سيفقده فيما لو تمكن منه الفخامة كورونا..
لم يختلف البريطانيون على تمنّي الخير للرجل ، حتى لو قصّر في خدمتهم لأنه لم يكذب عليهم و لم يطعن في اخلاقهم حتى و هم يقرّعونه علنا حين تفّقد مرضاهم و لم يتشفّ في أمواتهم ..
لكن يظل هذا الذي شغل الدنيا و ارعبها بلا سلاح مثلما يفعل الأسوأ فهو يبشر بالسلام لأن سنة الكون أن النوازل آيات إلهية لتعيد الناس إلى عقولهم و تدفعهم نحو الوئام ..
