" كورونا" خطير ؛ و لكنه ليس حقيرا مثل الإمبريالية و الرأسمالية؛ فهو عادل لا يستثني أحدا ؛ و ينتقي ضحاياه من الكبار الذين لم يتبق لهم من الأعمار الا أرذلها،أو الصغار العاجزين عن الحياة بدون مساعدة و هؤلاء كلهم لايشكلون نسبة وازنة من سكان العالم؛ بل يراهم البعض عالة عليه؛ اما الامبريالية و الرأسمالية فهي تطحن الجميع؛ الا قليلا منهم، و هي توعدهم بالرفاه.
الاقتصاد الذي صنعته الامبريالية و الراسمالية و تتحكم
فيه مبني على وهم؛ و هو اقتصادها و إن سمته "الاقتصاد العالمي" و غايته
رفاهها و ليس رفاه العالم ..هو اقتصاد الكبار فقط . امبرياليون(دول) و رأسماليون (افراد) . هياكله و ضوابطه حددها الكبار.
يقوم "الاقتصاد العالمي" على اسواق المال " البورصات"؛ فهي التي تحكمه و ليس على الناتج الحقيقي الصناعي أو الزراعي أو الخدمي المبني على حاجة الناس الفعلية.
ما يحكم "الاقتصاد العالمي" هو اسواق المال" البورصة"؛ و الخداع "الدعاية و الإعلان" .
اسواق المال تُكسِب مالاً ؛ لا تقابله قيمة حقيقية أو فعلية. كما ان حاجات كثيرين ليست فعلية انما صنعتها دعاية الامبريالي و الرأسمالي و هي مثل دعاية أبليس عن شجرة الخلد و ملك لايبلى. دعاية تدفع الناس إلى الشراء ليس لاشباع حاجة بل لتحقيق شهوة أو رغبة غريزية.
يُقال إن حجم الناتج القومي لكل دول العالم هو 80 تريليون دولار ، وأن ديون العالم 260 تريليون دولار اي ان العالم مدين بثلاثة اضعاف دخله. هذا هو "الاقتصاد العالمي".
لو قدّر العالم ثروته الحقيقية أو اعاد تقييمها لما وصل لهذا الرقم المُضخّم ، ولتحقق من زيف النقود التي يتداولها فتخلص من كثيرا منها، و ألغت الدول اصفارا كثيرة من أوراقها النقدية و سجلات ديونها..
لقد كشفت جوائح الطبيعة وحدها هذه الحقيقة كلما حلّت بالعالم؛ فيما سُمّي بفترات الركود أو الكساد العالمي.
لعل المشهد الأقرب لهذا الإنكشاف هو ما فعله الطاعون المستجد"كورونا" ؛ فما أن بدأت اسواق المال بالتداول بعد أن نشرت الجائحة الهلع ، حتى توقفت في الدقائق الأولى بسبب انهيار مؤشراتها.
لاتعبر المؤشرات عن الاقتصاد المتحقق فعلا في العالم أو الموجود فعلا فيه كإنتاج ، إنما تعبر عن القيمة النظرية له التي تحكمها عوامل عدة ليس منها قيمته الفعلية أو على الأقل تأتي في آخرها ، إذ لو اعتمدت عليها وحدها ماوصلت للرقم المقدر.
إن اقتصاد المضاربة هو الذي يحكم العالم و هو سبب المجاعات فيه، و يوظف رعاته دائما الركود الاقتصادي كلما حل بما يخدم دوام سطوتهم و لو لم يكونوا سببا فيه..
سنظل نرى اسواق المضاربة "البورصات" ما بقيت ؛ في أوقات الجوائح من أي نوع، تتوقف عن التداول إذا انحدرت مؤشراتها ، لأن استمرارها يعني انهيار ثروات الامبرياليين(دول) و الرأسماليين (افراد) المبنية على تقدير وهمي لا يقابله انتاج حقيقي؛ مال أو بضاعة أوخدمة ، و تجريدهم مما اكتسبوا بغير جهد عدا النصب و الاحتيال.
إن إعادة العالم لتقييم ثروته ستحقق وفرا كبيرا لسكانه أقلها تخلص غالبية دوله من الديون الوهمية التي كتفتها به الامبريالية؛ حتى و هو قد وصل الى سبعة ملايير من سكانه ؛ الرقم المشكوك في دقته؛ و الذي قد تُنْقِصهُ رهمة** كورونا بالذات إذا تحولت الى ديمة*** و عجز العالم عن التحصن ضدها أو مداواتها..
اهـ
¤ * العنوان من وحي المجموعة القصصية للكاتب السوري ممدوح حمادة : دفتر القرية .
¤ رهمة** و ديمة***
الرِّهمة : المطر الصغير القطر، و هي أشد وقعا من الدِّيمة و اسرع ذهاباً..
من العامي الفصيح و إن صارت الرهمة تطلق على الجوائح ؛ التي تأخذ المال، أمّا الديمة فهي بذات المعنى الفصيح و إن حُرّفت إلى "دومامي"..